الاثنين، 8 فبراير 2010

عوالم النهضة 2- عالم المشاعر

عالم المشاعر هو ثاني عالم من عوالم النهضة ، و أرى أن له أهمية كبيرة جدا في جميع المراحل و العوالم ، و تنبع أهمية هذا العالم من أثره العظيم على الأمة ، و كذلك دخوله و تأثيره على جميع أطياف المجتمع الواحد ، فالصغير و الكبير .. العالم و الجاهل .. الرجل و المرأة .. المحافظ و المتحرر كلهم يتأثرون بمشاعرهم ، و كلهم بمشاعرهم يستطيعون الهدم و البناء ، إذا عالم المشاعر له أهمية كبيرة في النهضة حيث يساعد على التحكم في نفوس البشر ، و من ثم تتوجه هذه النفوس إلى المبتغى و المراد ، و قد يحدث أمر ما من غير تخطيط أو تدبير فيقلب أمر أمة بكاملها و السبب هو الاستغلال الأمثل ..



ذكرت سابقا أن العصور الوسطى هي بداية النهضة الأوربية ، و خلال تلك السنوات حدثت أمور كثيرة ساعدت على النهوض ، و سواء أكانت هذه العوامل مخطط لها أم لا فإن الغاية أخيرا هو تحقيق النجاح ، و هذا ما حدث بالضبط ... لو رجعنا إلى تلك الحقبة لوجدنا أن أوربا مرت بحادثتين مهمتين جدا ، فخلال أربعين سنة فقط فتحت الأندلس (بالنسبة لهم) و سقطت القسطنطينية (بالنسبة لهم) ، إذا خلال 40 سنة مر بأوربا شعورين محزن و مفرح ، المحزن جعلهم يعملون أكثر فأكثر حتى يعوضوا ما فقدوا ، فتحقق المفرح و زادهم عزيمة و اصرارا للصعود ، إذا نستفيد من تلك الحقبة أن المشاعر التي عصفت بقلوب الاوربيين استطاعوا تحويلها إلى سبب لفتح الأندلس ، و كذلك المشاعر المفرحة التي سمت بأرواحهم كانت سببا لاكمال مسيرة نهضتهم و تقدمهم .



أحداث كثيرة تمر علينا سنويا و لا يتم استغلالها و لا يتم تحويلها لعامل نهضة ، و ان تم استغلالها فبطريقة خاطئة !!!

المشاعر لها دور أساسي في عملية النهضة ، سواء كانت النهضة في بداياتها أو في شبابها أو حتى كهولتها ، و هذا واضح و جلي لكل قارىء للتاريخ و الحضارات ، و في القرنين الأخيرين استطاع اليهود استغلال العنصرية تجاههم و المذابح التي كانت تنصب لهم كنقطة قوة ، فقاموا بشحذ همم اليهود في كل أوربا و من ثم تكوين نواة لليهود و من ثم الاستيلاء على أرض فلسطين .. إذا استطاع اليهود تحويل المشاعر السيئة التي كانوا يحسون بها إلى عامل قوة و عامل اصرار و عامل اجتهاد و عمل و بذل في سبيل الدفاع عن عقيدتهم .



لو رجعنا لزمن النبي صلى الله عليه و سلم لوجدنا نفس الأسلوب من قبل النبي الكريم ، ففي بداية الدعوة الاسلامية كان المسلمون ضعفاء في مكة لا حول لهم و لا قوة ، و مع ذلك خلال بضع سنين استطاعوا التغلب على كفار قريش ، و هذا الموقف خير دليل على استغلال النبي الكريم لموقف الضعف للمسلمين في بداية الدعوة ، و شحذ همم المسلمين في التغلب على من حاربوهم و طردوهم ، حتى تم النصر لهم و خلال 8 سنوات رجعوا إلى ديارهم فاتحين ، رافعين لواء الاسلام عاليا .. كذلك بشر النبي الكريم سراقة بن مالك بسواري كسرى ، و هذا نوع من أنواع شحذ الهمم ... و الكثير الكثير من المواقف التي حصلت قبل و بعد المعارك و الغزوات .


أخيرا ...
ما أرنو الوصول له أن للمشاعر و النفسيات دور جبار في صناعة النهضة و الحضارة ، و يجب علينا أن لا نترك أي حدث يمر علينا دون استغلال ، و يجب علينا أيضا أن نشحذ هممنا دائما و أبدا في السراء و الضراء .. في المقدمة أو المؤخرة .. في التطور أو التخلف .. و هذا ما قام به عظماء التاريخ و صناع الحضارات قديمها و حديثها ... و قد ذكرت قبل قليل في مقالنا هذا أمثلة من الديانات السماوية الثلاث .. علنا نتعظ !!!

السبت، 30 يناير 2010

عوالم النهضة 1- عالم الأفكار

ذكرت في مقدمة عوالم النهضة أنني سوف أتطرق إلى وسائل أو مراحل نهضة الأمم ، و كانت أول هذه المرحلة هي ( عالم الأفكار ) .. و أريد أن أذكر لكم مثال حتى يتسنى لنا فهم المقصود من عالم الأفكار ، و هذا المثال اقتبسته من كتاب ( من الصحوة إلى اليقضة ) للدكتور جاسم سلطان :
" حاول أن تتخيل معنا قوما من الأمازون أو من الأدغال الأفريقية بعالمهم الفكري المتواضع و بدائيتهم و قد تم نقلهم إلى ألمانيا ، بينما نقل الشعب الألماني إلى أفريقيا أو إلى الأمازون ، ماذا كان سيحدث حينها ؟
الأمر سيبدوا واضحا و جليا ، و هو أن الألمان في هذه الحالة سيعمرون المناطق الأمازونية أو الأفريقية و يصلحونها ، بينما ستدمر ألمانيا ببنائها و حضارتها و شوارعها على يد القبائل البدائية "

إذا لابد على أي أمة تريد النهضة و التطور و التقدم أولا أن تصلح الحالة الفكرية لديها "إن وجدت" ، أو أن تقوم بخلق منظومة فكرية تسير عليها و تهتدي بها ، و حتى تتضح الصورة أكثر .. يجب على أي أمة تريد النهوض أن يكون لديها فكرة تعمل من أجلها .. أو فكرة تطور من نظام العلاقات بين البشر .. أو فكرة تقوم على العدالة و المساواة بين الناس .. أو أفكار و أفكار كثيرة من شأنها أن تحرك الهواجس و المشاعر لدى البشر ، و متى ما تحركت هذه الهواجس و المشاعر فإن عجلة العمران البشري و التنمية البشرية سوف تتحرك .

إن تحريك الناس و حثهم على العمل و تحويلهم من أناس مستهلكين إلى أناس منتجين ليس بالأمر السهل ، و قد يكون الأمر سهلا و يسيرا إذا تم من خلال القوة و البطش ، و هذا في الغالب لا يدوم و لا يجدي ، و قد يظن البعض أن دفع الناس و تحريكهم لا يتم إلا من خلال الكذب و الخزعبلات و النواميس الغريبة ، وهذه الوسيلة لا تصلح إلا للجهلة الذين لا يفقهون من أمور الحياة شيئا و أيضا لا تدوم و لا تجدي .. و لكن من يقوم بمهمة تحريك و تحفيز و دفع الناس للعمل هو ( الفكرة ) .
انظر إلى جميع الأفكار الموجودة في عالمنا .. الحرية ، العدالة ، الليبرالية .. العلمانية .. المساواة .. التوحيد ... إلخ ستجد أن سبب نشأتها هو محاولة شعب ما في زمن ما للنهوض بأمته ، و محاولة انتشالها من الفوضى و التخلف و الضياع ، أنا لا أقول أن كل الأفكار استطاعت أن تنقل الشعب من حالة التخلف إلى التقدم ، و لا أقول أن كل هذه الأفكار صحيحة ، و لكن كل هذه الأفكار تستطيع أن تحرك شعب بأكمله ، لأن الفكرة لها سحر يسري في جسد الأنسان و يشعل الغيرة فيه و من ثم يتحرك نصرة للفكرة :)

عندما جاء النبي صلى الله عليه و سلم لأمته و استطاع بسنوات معدودة أن يكون دولة قائمة في الصحراء ، و من ثم سار الصحابة الكرام على أفكاره و نهضوا بتلك الأمة المتخلفة ، و جعلوها أمة تصارع و تقارع أقوى دولتين على الأرض ، لم يكن السبب هو تحريك النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه بسطوة أو بمال أو بخزعبلات ، إنما قادهم بفكرة أو مجموعة أفكار و استطاع شحذ هذه النفوس نحو الغاية الكبرى ، جاء بفكرة التوحيد في حين كان العرب يعبدون الوثن ، جاء بفكرة الحرية في حين كان الناس يستعبدون بعضهم البعض ، جاء بفكرة المساواة في زمن كان الناس عبارة عن طبقات .. كل يعامل حسب طبقته ، إذا الأفكار التي جاء بها نبينا الكريم حركت المشاعر و الهواجس لدى البشر ، حملتهم على المضي قدما مع النبي صلى الله عليه و سلم لبناء حضارة عظيمة يشهد لها التاريخ ، هذا بالنسبة للحضارة الاسلامية .

يقول ويل ديورانت في كتابه ( أبطال من التاريخ ) و هو مختصر لقصة الحضارة .. يصف حال أوربا في العصور الوسطى :
"هكذا فإن النهضة في طفولتها الأولى كانت تصوت لمباهج الحياة الدنيا و تحدياتها ، و ليس للملذات المفترضة لفردوس يأتي بعد الموت "
و يقول في موقع آخر من نفس الكتاب :
" لم تكن تلك المخطوطات أساسا هي التي حررت عقل النهضة و حواسها ، إنما كانت النزعة العلمانية التي أتت من نهوض الطبقات المتوسطة "
إذا الفكرة التي جاء بها الأوربيون هي العلمانية ، أو فصل الدين عن الدولة .. حيث أن في ذلك الزمن كانت أوربا تعاني من سيطرة الكنيسة على شؤون الحياة كلها ، و عاشت أوربا في زمن التخلف و الضياع عندما سيطرت الكنيسة ، فما كان من المفكرين و المثقفين إلا الخروج بفكرة العلمانية التي خلصتهم لاحقا من الكنيسة ، و فتحت لهم أبواب النهضة و التقدم ، أنا لا أقول أن العلمانية هي الحل :)
ولكن الأحوال في أوربا في تلك الأيام تستدعي ظهور فكرة العلمانية ، فالدين و تحكمه في شؤون حياتهم كان عائقا للتقدم ، و الكنيسة و تدخلها في السياسة جعل من التطور أمرا مستحيلا ، و بالفعل طرحت فكرة فصل الدين عن الدولة و حصلت هذه الفكرة على تأييد كبير من الشعوب ، حتى و إن كان تطبيق هذه الفكرة جاء بعد فترة زمنية ليست بقصيرة ، انما الفكرة هي التي حركت الشعب نحو النهضة .

إذا عالم الأفكار هو ما يجب على أمتنا الاسلامية تصحيحه ، كل مسلم يعلم و يعتقد بصحة دينه وأنا لا أشكك في ذلك .. لكن لا أتوقع أن كل مسلم مقتنع بالأفكار التي نحملها في أيامنا هذه ، و إن اقتنع بها فهي لا توصلنا إلى مقدمة الأمم ، لأن ظرف الزمان و المكان اختلف عما كان قبل 20 سنة من الآن ، فما بالنا ب 1400 سنة !!!

السبت، 23 يناير 2010

عوالم النهضة (المقدمة)

منذ الأزل و موضوع النهضة يشغل تفكير العلماء و القادة و المفكرين ، بل تجاوز حد التفكير إلى مشاريع نهضة ترجمت إلى خطط و مؤلفات ، و لا تكاد ترى مفكر ما في أمة ما في زمان ما إلا خاض هذه التجربة ، و من البديهي أن يتبادر إلى ذهنك السؤال التالي .... إذا افترضنا أن جميع الأمم لديها مشاريع للنهضة الحضارية ، فلماذا لا نرى إلا القليل منها ينجح ؟؟ هذا صحيح فقليل من الأمم هي التي تنجح في مشاريعها النهضوية ، و أنا في تصوري أن هنالك سببين رئيسيين يعيقان طريق النهضة أمام الأمم ... الأول و هو عدم تطبيق المشاريع ، و هذا للأسف الشديد ما هو حاصل لجميع دول العالم الثالث أو الدول النامية ، أما السبب الآخر و المهم بالنسبة لي فهو التحليل الخاطىء .

إن النهضة الاوربية الحالية هي نتاج تخطيط و تفكير و تضافر للجهود ، و هذا لم يتم خلال سنة أو اثنتين و انما عشرات السنوات ، ابتداءا من سقوط الاندلس و فتح القسطنطينية و انتهاءا باكتشاف الامريكتين و طريق رأس الرجاء الصالح ، بالاضافة إلى عوامل أخرى ساعدت على نهضة اوربا الحديثة ، لكن تلك العوامل الاربعة هي التي ساهمت مساهمة مباشرة في عملية التغيير في الأمة الأوربية ، و هي لا شك نتاج تحليل صحيح و تخطيط ناجح و استغلال للفرص الذهبية أدى للنهضة ... إذا ما قامت به أوربا هو عكس ما قلته في نهاية الفقرة الأولى (التحليل الخاطىء) الذي أدى إلى فشل و سقوط الكثير من الأمم ، و هو ما يجب أن تعي له الأمم الأخرى التي فشلت من قبل .

لا شك أن الأمة الاسلامية حاليا تعيش في دوامة التخلف ، فبعدما كنا في مقدمة الأمم أصبحنا جزيئات لا تذكر ، و بعدما كنا نصدر العلوم و الفنون و جميع أصناف الابداع أصبحنا نستورد كل شيء و لا نصدر أي شيء ، كأننا عالة على البشرية فوجودنا من عدمه سيان !!!!
و هذه الحالة لا تسر أي مسلم يحب أمته ، بل يعتصر قلبه حزنا و ألما على تاريخه الأبي الذي ضيعه أجدادنا ، و نحن سوف نساهم في محوه إذا لم نغير ما بأنفسنا .. أنا لا أسطر هذه الكلمات حتى ادغدغ المشاعر ببطولات و امجاد تاريخنا التليد ، و لا أكتبها حتى نبكي على حالنا المؤسف في هذا الزمن الأغبر ، ولكن هدفي هو المساهمة في وضع لبنة من لبنات مشروع النهضة الكبير ، المشروع الذي يشغل هم كل انسان يريد الخير لأمته الاسلامية و للبشرية جمعاء .

المخلص هو أنني قمت بقراءة مجموعة لا بأس بها من كتب فلسفة التاريخ ، ثم عرجت على كتب التاريخ التي تسرد الأحداث ، وحاولت قدر الاستطاعة و قدر امكانيتي البسيطة تحليل الوقائع الرئيسة ، و قمت بالتركيز على فترتين مهمتين جدا .. الأولى هي بداية الدعوة الاسلامية أو صدر الاسلام ، و الثانية هي بداية النهضة الاوربية حتى سقوط الحضارة الاسلامية ، و خلصت بملاحظات و أفكار كثيرة سوف أوردها على أربع مقالات أسميتها (عوالم النهضة) ، و قد رتبتها حسب الأهمية و الأولوية بالنسبة للأمة ، و هي على النحو التالي :

1- عالم الأفكار
2- عالم المشاعر
3- عالم العلاقات
4- عالم الأشياء
و سوف تكون موجودة على مدونتي في القريب العاجل ان شاء الله .




تحياتي :)