عالم المشاعر هو ثاني عالم من عوالم النهضة ، و أرى أن له أهمية كبيرة جدا في جميع المراحل و العوالم ، و تنبع أهمية هذا العالم من أثره العظيم على الأمة ، و كذلك دخوله و تأثيره على جميع أطياف المجتمع الواحد ، فالصغير و الكبير .. العالم و الجاهل .. الرجل و المرأة .. المحافظ و المتحرر كلهم يتأثرون بمشاعرهم ، و كلهم بمشاعرهم يستطيعون الهدم و البناء ، إذا عالم المشاعر له أهمية كبيرة في النهضة حيث يساعد على التحكم في نفوس البشر ، و من ثم تتوجه هذه النفوس إلى المبتغى و المراد ، و قد يحدث أمر ما من غير تخطيط أو تدبير فيقلب أمر أمة بكاملها و السبب هو الاستغلال الأمثل ..
ذكرت سابقا أن العصور الوسطى هي بداية النهضة الأوربية ، و خلال تلك السنوات حدثت أمور كثيرة ساعدت على النهوض ، و سواء أكانت هذه العوامل مخطط لها أم لا فإن الغاية أخيرا هو تحقيق النجاح ، و هذا ما حدث بالضبط ... لو رجعنا إلى تلك الحقبة لوجدنا أن أوربا مرت بحادثتين مهمتين جدا ، فخلال أربعين سنة فقط فتحت الأندلس (بالنسبة لهم) و سقطت القسطنطينية (بالنسبة لهم) ، إذا خلال 40 سنة مر بأوربا شعورين محزن و مفرح ، المحزن جعلهم يعملون أكثر فأكثر حتى يعوضوا ما فقدوا ، فتحقق المفرح و زادهم عزيمة و اصرارا للصعود ، إذا نستفيد من تلك الحقبة أن المشاعر التي عصفت بقلوب الاوربيين استطاعوا تحويلها إلى سبب لفتح الأندلس ، و كذلك المشاعر المفرحة التي سمت بأرواحهم كانت سببا لاكمال مسيرة نهضتهم و تقدمهم .
أحداث كثيرة تمر علينا سنويا و لا يتم استغلالها و لا يتم تحويلها لعامل نهضة ، و ان تم استغلالها فبطريقة خاطئة !!!
المشاعر لها دور أساسي في عملية النهضة ، سواء كانت النهضة في بداياتها أو في شبابها أو حتى كهولتها ، و هذا واضح و جلي لكل قارىء للتاريخ و الحضارات ، و في القرنين الأخيرين استطاع اليهود استغلال العنصرية تجاههم و المذابح التي كانت تنصب لهم كنقطة قوة ، فقاموا بشحذ همم اليهود في كل أوربا و من ثم تكوين نواة لليهود و من ثم الاستيلاء على أرض فلسطين .. إذا استطاع اليهود تحويل المشاعر السيئة التي كانوا يحسون بها إلى عامل قوة و عامل اصرار و عامل اجتهاد و عمل و بذل في سبيل الدفاع عن عقيدتهم .
لو رجعنا لزمن النبي صلى الله عليه و سلم لوجدنا نفس الأسلوب من قبل النبي الكريم ، ففي بداية الدعوة الاسلامية كان المسلمون ضعفاء في مكة لا حول لهم و لا قوة ، و مع ذلك خلال بضع سنين استطاعوا التغلب على كفار قريش ، و هذا الموقف خير دليل على استغلال النبي الكريم لموقف الضعف للمسلمين في بداية الدعوة ، و شحذ همم المسلمين في التغلب على من حاربوهم و طردوهم ، حتى تم النصر لهم و خلال 8 سنوات رجعوا إلى ديارهم فاتحين ، رافعين لواء الاسلام عاليا .. كذلك بشر النبي الكريم سراقة بن مالك بسواري كسرى ، و هذا نوع من أنواع شحذ الهمم ... و الكثير الكثير من المواقف التي حصلت قبل و بعد المعارك و الغزوات .
أخيرا ...
ما أرنو الوصول له أن للمشاعر و النفسيات دور جبار في صناعة النهضة و الحضارة ، و يجب علينا أن لا نترك أي حدث يمر علينا دون استغلال ، و يجب علينا أيضا أن نشحذ هممنا دائما و أبدا في السراء و الضراء .. في المقدمة أو المؤخرة .. في التطور أو التخلف .. و هذا ما قام به عظماء التاريخ و صناع الحضارات قديمها و حديثها ... و قد ذكرت قبل قليل في مقالنا هذا أمثلة من الديانات السماوية الثلاث .. علنا نتعظ !!!
ردحذفthx
مؤسسه تنظيف
شكراً جزيلاً، الموضوع شيق وتحمست أُبحر فيه
ردحذفوعدت القارئ قبل عشر سنوات بالحديث عن عالم العلاقات وعالم الأشياء،
هل ياترى ستفي بوعدك؟
شكراً على الطرح ، والوضوح
نورة