الاثنين، 8 فبراير 2010

عوالم النهضة 2- عالم المشاعر

عالم المشاعر هو ثاني عالم من عوالم النهضة ، و أرى أن له أهمية كبيرة جدا في جميع المراحل و العوالم ، و تنبع أهمية هذا العالم من أثره العظيم على الأمة ، و كذلك دخوله و تأثيره على جميع أطياف المجتمع الواحد ، فالصغير و الكبير .. العالم و الجاهل .. الرجل و المرأة .. المحافظ و المتحرر كلهم يتأثرون بمشاعرهم ، و كلهم بمشاعرهم يستطيعون الهدم و البناء ، إذا عالم المشاعر له أهمية كبيرة في النهضة حيث يساعد على التحكم في نفوس البشر ، و من ثم تتوجه هذه النفوس إلى المبتغى و المراد ، و قد يحدث أمر ما من غير تخطيط أو تدبير فيقلب أمر أمة بكاملها و السبب هو الاستغلال الأمثل ..



ذكرت سابقا أن العصور الوسطى هي بداية النهضة الأوربية ، و خلال تلك السنوات حدثت أمور كثيرة ساعدت على النهوض ، و سواء أكانت هذه العوامل مخطط لها أم لا فإن الغاية أخيرا هو تحقيق النجاح ، و هذا ما حدث بالضبط ... لو رجعنا إلى تلك الحقبة لوجدنا أن أوربا مرت بحادثتين مهمتين جدا ، فخلال أربعين سنة فقط فتحت الأندلس (بالنسبة لهم) و سقطت القسطنطينية (بالنسبة لهم) ، إذا خلال 40 سنة مر بأوربا شعورين محزن و مفرح ، المحزن جعلهم يعملون أكثر فأكثر حتى يعوضوا ما فقدوا ، فتحقق المفرح و زادهم عزيمة و اصرارا للصعود ، إذا نستفيد من تلك الحقبة أن المشاعر التي عصفت بقلوب الاوربيين استطاعوا تحويلها إلى سبب لفتح الأندلس ، و كذلك المشاعر المفرحة التي سمت بأرواحهم كانت سببا لاكمال مسيرة نهضتهم و تقدمهم .



أحداث كثيرة تمر علينا سنويا و لا يتم استغلالها و لا يتم تحويلها لعامل نهضة ، و ان تم استغلالها فبطريقة خاطئة !!!

المشاعر لها دور أساسي في عملية النهضة ، سواء كانت النهضة في بداياتها أو في شبابها أو حتى كهولتها ، و هذا واضح و جلي لكل قارىء للتاريخ و الحضارات ، و في القرنين الأخيرين استطاع اليهود استغلال العنصرية تجاههم و المذابح التي كانت تنصب لهم كنقطة قوة ، فقاموا بشحذ همم اليهود في كل أوربا و من ثم تكوين نواة لليهود و من ثم الاستيلاء على أرض فلسطين .. إذا استطاع اليهود تحويل المشاعر السيئة التي كانوا يحسون بها إلى عامل قوة و عامل اصرار و عامل اجتهاد و عمل و بذل في سبيل الدفاع عن عقيدتهم .



لو رجعنا لزمن النبي صلى الله عليه و سلم لوجدنا نفس الأسلوب من قبل النبي الكريم ، ففي بداية الدعوة الاسلامية كان المسلمون ضعفاء في مكة لا حول لهم و لا قوة ، و مع ذلك خلال بضع سنين استطاعوا التغلب على كفار قريش ، و هذا الموقف خير دليل على استغلال النبي الكريم لموقف الضعف للمسلمين في بداية الدعوة ، و شحذ همم المسلمين في التغلب على من حاربوهم و طردوهم ، حتى تم النصر لهم و خلال 8 سنوات رجعوا إلى ديارهم فاتحين ، رافعين لواء الاسلام عاليا .. كذلك بشر النبي الكريم سراقة بن مالك بسواري كسرى ، و هذا نوع من أنواع شحذ الهمم ... و الكثير الكثير من المواقف التي حصلت قبل و بعد المعارك و الغزوات .


أخيرا ...
ما أرنو الوصول له أن للمشاعر و النفسيات دور جبار في صناعة النهضة و الحضارة ، و يجب علينا أن لا نترك أي حدث يمر علينا دون استغلال ، و يجب علينا أيضا أن نشحذ هممنا دائما و أبدا في السراء و الضراء .. في المقدمة أو المؤخرة .. في التطور أو التخلف .. و هذا ما قام به عظماء التاريخ و صناع الحضارات قديمها و حديثها ... و قد ذكرت قبل قليل في مقالنا هذا أمثلة من الديانات السماوية الثلاث .. علنا نتعظ !!!

السبت، 30 يناير 2010

عوالم النهضة 1- عالم الأفكار

ذكرت في مقدمة عوالم النهضة أنني سوف أتطرق إلى وسائل أو مراحل نهضة الأمم ، و كانت أول هذه المرحلة هي ( عالم الأفكار ) .. و أريد أن أذكر لكم مثال حتى يتسنى لنا فهم المقصود من عالم الأفكار ، و هذا المثال اقتبسته من كتاب ( من الصحوة إلى اليقضة ) للدكتور جاسم سلطان :
" حاول أن تتخيل معنا قوما من الأمازون أو من الأدغال الأفريقية بعالمهم الفكري المتواضع و بدائيتهم و قد تم نقلهم إلى ألمانيا ، بينما نقل الشعب الألماني إلى أفريقيا أو إلى الأمازون ، ماذا كان سيحدث حينها ؟
الأمر سيبدوا واضحا و جليا ، و هو أن الألمان في هذه الحالة سيعمرون المناطق الأمازونية أو الأفريقية و يصلحونها ، بينما ستدمر ألمانيا ببنائها و حضارتها و شوارعها على يد القبائل البدائية "

إذا لابد على أي أمة تريد النهضة و التطور و التقدم أولا أن تصلح الحالة الفكرية لديها "إن وجدت" ، أو أن تقوم بخلق منظومة فكرية تسير عليها و تهتدي بها ، و حتى تتضح الصورة أكثر .. يجب على أي أمة تريد النهوض أن يكون لديها فكرة تعمل من أجلها .. أو فكرة تطور من نظام العلاقات بين البشر .. أو فكرة تقوم على العدالة و المساواة بين الناس .. أو أفكار و أفكار كثيرة من شأنها أن تحرك الهواجس و المشاعر لدى البشر ، و متى ما تحركت هذه الهواجس و المشاعر فإن عجلة العمران البشري و التنمية البشرية سوف تتحرك .

إن تحريك الناس و حثهم على العمل و تحويلهم من أناس مستهلكين إلى أناس منتجين ليس بالأمر السهل ، و قد يكون الأمر سهلا و يسيرا إذا تم من خلال القوة و البطش ، و هذا في الغالب لا يدوم و لا يجدي ، و قد يظن البعض أن دفع الناس و تحريكهم لا يتم إلا من خلال الكذب و الخزعبلات و النواميس الغريبة ، وهذه الوسيلة لا تصلح إلا للجهلة الذين لا يفقهون من أمور الحياة شيئا و أيضا لا تدوم و لا تجدي .. و لكن من يقوم بمهمة تحريك و تحفيز و دفع الناس للعمل هو ( الفكرة ) .
انظر إلى جميع الأفكار الموجودة في عالمنا .. الحرية ، العدالة ، الليبرالية .. العلمانية .. المساواة .. التوحيد ... إلخ ستجد أن سبب نشأتها هو محاولة شعب ما في زمن ما للنهوض بأمته ، و محاولة انتشالها من الفوضى و التخلف و الضياع ، أنا لا أقول أن كل الأفكار استطاعت أن تنقل الشعب من حالة التخلف إلى التقدم ، و لا أقول أن كل هذه الأفكار صحيحة ، و لكن كل هذه الأفكار تستطيع أن تحرك شعب بأكمله ، لأن الفكرة لها سحر يسري في جسد الأنسان و يشعل الغيرة فيه و من ثم يتحرك نصرة للفكرة :)

عندما جاء النبي صلى الله عليه و سلم لأمته و استطاع بسنوات معدودة أن يكون دولة قائمة في الصحراء ، و من ثم سار الصحابة الكرام على أفكاره و نهضوا بتلك الأمة المتخلفة ، و جعلوها أمة تصارع و تقارع أقوى دولتين على الأرض ، لم يكن السبب هو تحريك النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه بسطوة أو بمال أو بخزعبلات ، إنما قادهم بفكرة أو مجموعة أفكار و استطاع شحذ هذه النفوس نحو الغاية الكبرى ، جاء بفكرة التوحيد في حين كان العرب يعبدون الوثن ، جاء بفكرة الحرية في حين كان الناس يستعبدون بعضهم البعض ، جاء بفكرة المساواة في زمن كان الناس عبارة عن طبقات .. كل يعامل حسب طبقته ، إذا الأفكار التي جاء بها نبينا الكريم حركت المشاعر و الهواجس لدى البشر ، حملتهم على المضي قدما مع النبي صلى الله عليه و سلم لبناء حضارة عظيمة يشهد لها التاريخ ، هذا بالنسبة للحضارة الاسلامية .

يقول ويل ديورانت في كتابه ( أبطال من التاريخ ) و هو مختصر لقصة الحضارة .. يصف حال أوربا في العصور الوسطى :
"هكذا فإن النهضة في طفولتها الأولى كانت تصوت لمباهج الحياة الدنيا و تحدياتها ، و ليس للملذات المفترضة لفردوس يأتي بعد الموت "
و يقول في موقع آخر من نفس الكتاب :
" لم تكن تلك المخطوطات أساسا هي التي حررت عقل النهضة و حواسها ، إنما كانت النزعة العلمانية التي أتت من نهوض الطبقات المتوسطة "
إذا الفكرة التي جاء بها الأوربيون هي العلمانية ، أو فصل الدين عن الدولة .. حيث أن في ذلك الزمن كانت أوربا تعاني من سيطرة الكنيسة على شؤون الحياة كلها ، و عاشت أوربا في زمن التخلف و الضياع عندما سيطرت الكنيسة ، فما كان من المفكرين و المثقفين إلا الخروج بفكرة العلمانية التي خلصتهم لاحقا من الكنيسة ، و فتحت لهم أبواب النهضة و التقدم ، أنا لا أقول أن العلمانية هي الحل :)
ولكن الأحوال في أوربا في تلك الأيام تستدعي ظهور فكرة العلمانية ، فالدين و تحكمه في شؤون حياتهم كان عائقا للتقدم ، و الكنيسة و تدخلها في السياسة جعل من التطور أمرا مستحيلا ، و بالفعل طرحت فكرة فصل الدين عن الدولة و حصلت هذه الفكرة على تأييد كبير من الشعوب ، حتى و إن كان تطبيق هذه الفكرة جاء بعد فترة زمنية ليست بقصيرة ، انما الفكرة هي التي حركت الشعب نحو النهضة .

إذا عالم الأفكار هو ما يجب على أمتنا الاسلامية تصحيحه ، كل مسلم يعلم و يعتقد بصحة دينه وأنا لا أشكك في ذلك .. لكن لا أتوقع أن كل مسلم مقتنع بالأفكار التي نحملها في أيامنا هذه ، و إن اقتنع بها فهي لا توصلنا إلى مقدمة الأمم ، لأن ظرف الزمان و المكان اختلف عما كان قبل 20 سنة من الآن ، فما بالنا ب 1400 سنة !!!

السبت، 23 يناير 2010

عوالم النهضة (المقدمة)

منذ الأزل و موضوع النهضة يشغل تفكير العلماء و القادة و المفكرين ، بل تجاوز حد التفكير إلى مشاريع نهضة ترجمت إلى خطط و مؤلفات ، و لا تكاد ترى مفكر ما في أمة ما في زمان ما إلا خاض هذه التجربة ، و من البديهي أن يتبادر إلى ذهنك السؤال التالي .... إذا افترضنا أن جميع الأمم لديها مشاريع للنهضة الحضارية ، فلماذا لا نرى إلا القليل منها ينجح ؟؟ هذا صحيح فقليل من الأمم هي التي تنجح في مشاريعها النهضوية ، و أنا في تصوري أن هنالك سببين رئيسيين يعيقان طريق النهضة أمام الأمم ... الأول و هو عدم تطبيق المشاريع ، و هذا للأسف الشديد ما هو حاصل لجميع دول العالم الثالث أو الدول النامية ، أما السبب الآخر و المهم بالنسبة لي فهو التحليل الخاطىء .

إن النهضة الاوربية الحالية هي نتاج تخطيط و تفكير و تضافر للجهود ، و هذا لم يتم خلال سنة أو اثنتين و انما عشرات السنوات ، ابتداءا من سقوط الاندلس و فتح القسطنطينية و انتهاءا باكتشاف الامريكتين و طريق رأس الرجاء الصالح ، بالاضافة إلى عوامل أخرى ساعدت على نهضة اوربا الحديثة ، لكن تلك العوامل الاربعة هي التي ساهمت مساهمة مباشرة في عملية التغيير في الأمة الأوربية ، و هي لا شك نتاج تحليل صحيح و تخطيط ناجح و استغلال للفرص الذهبية أدى للنهضة ... إذا ما قامت به أوربا هو عكس ما قلته في نهاية الفقرة الأولى (التحليل الخاطىء) الذي أدى إلى فشل و سقوط الكثير من الأمم ، و هو ما يجب أن تعي له الأمم الأخرى التي فشلت من قبل .

لا شك أن الأمة الاسلامية حاليا تعيش في دوامة التخلف ، فبعدما كنا في مقدمة الأمم أصبحنا جزيئات لا تذكر ، و بعدما كنا نصدر العلوم و الفنون و جميع أصناف الابداع أصبحنا نستورد كل شيء و لا نصدر أي شيء ، كأننا عالة على البشرية فوجودنا من عدمه سيان !!!!
و هذه الحالة لا تسر أي مسلم يحب أمته ، بل يعتصر قلبه حزنا و ألما على تاريخه الأبي الذي ضيعه أجدادنا ، و نحن سوف نساهم في محوه إذا لم نغير ما بأنفسنا .. أنا لا أسطر هذه الكلمات حتى ادغدغ المشاعر ببطولات و امجاد تاريخنا التليد ، و لا أكتبها حتى نبكي على حالنا المؤسف في هذا الزمن الأغبر ، ولكن هدفي هو المساهمة في وضع لبنة من لبنات مشروع النهضة الكبير ، المشروع الذي يشغل هم كل انسان يريد الخير لأمته الاسلامية و للبشرية جمعاء .

المخلص هو أنني قمت بقراءة مجموعة لا بأس بها من كتب فلسفة التاريخ ، ثم عرجت على كتب التاريخ التي تسرد الأحداث ، وحاولت قدر الاستطاعة و قدر امكانيتي البسيطة تحليل الوقائع الرئيسة ، و قمت بالتركيز على فترتين مهمتين جدا .. الأولى هي بداية الدعوة الاسلامية أو صدر الاسلام ، و الثانية هي بداية النهضة الاوربية حتى سقوط الحضارة الاسلامية ، و خلصت بملاحظات و أفكار كثيرة سوف أوردها على أربع مقالات أسميتها (عوالم النهضة) ، و قد رتبتها حسب الأهمية و الأولوية بالنسبة للأمة ، و هي على النحو التالي :

1- عالم الأفكار
2- عالم المشاعر
3- عالم العلاقات
4- عالم الأشياء
و سوف تكون موجودة على مدونتي في القريب العاجل ان شاء الله .




تحياتي :)

الخميس، 17 ديسمبر 2009

الحق أبلج

تعتبر كلمة الحرية من أعظم الكلمات على مر التاريخ و الازمنة ، و السبب في ذلك يعود إلى أمور عديدة ... فالكثير من القادة الشجعان عاشوا من أجلها و ناضلوا في سبيلها و قد يكون مآلهم الموت نتيجة للبحث عنها ، و كذلك الشعراء تغنوا بها و نظموا القصائد الكثيرة و الابيات المتناثرة خدمة لهذه الكلمة .. كما قال الشاعر :

أقول الحق حتى و لو كووا لساني بالجمرة
و إن كنت عبدا لغير إلهي لصرت عبدا لحريتي

وكذلك الانبياء عليهم السلام جاءوا لينصروا هذه الكلمة ، وعلى رأسهم خاتم الانبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، حيث جاء ليخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد ... ما أريد الوصول له أن الحرية معنى يدغدغ مشاعري كثيرا و يجعلني أطيل التفكير في ثناياه حتى قمت بالبحث في معناه ، و قد رأيت أن الحرية أنواع فمنها الحرية الفكرية و حرية التعبير و الحرية السياسية و حرية الاعتقاد ...إلخ ثم تعمقت أكثر في مفهوم الحرية الفكرية و وجدت أن هناك ترابط لا مفك منه بين الحرية الفكرية و ديننا الاسلامي الحنيف .

لا شك أن الحرية مكفولة في الاسلام و هي أساس لا يمكن التخلي عنه في رسالتنا الحنيفية إلى العالم ، و هذا الأمر ثابت من خلال النصوص الشرعية و تاريخ صدر الاسلام فضلا عن المنطق الذي يؤكد تلك الفكرة ، و اذا رجعنا للقرآن الكريم وجدنا نصوصا كثيرة دعت إلى حرية الفكر و الاعتقاد كقوله تعالى (لا إكراه في الدين) و قوله تعالى (و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) و قوله تعالى (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) و قوله تعالى (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) و غيرها من الآيات الكثيرة .... و عند التأمل في تلك الآيات و غيرها فإننا نخرج بقواعد تنظم علاقة الانسان بالاخر وتجعل الاحترام هو السمة المتبادلة بين الشتات المترامي من الافكار و الاديان ، و هذا لا شك هو ما كان يدعوا إليه النبي صلى الله عليه و سلم و كان يطبقه أيضا ، و المتتبع لسيرته صلى الله عليه و سلم و المستقرىء لها يرى أن في مجتمع المدينة المنورة كان التعايش مع الاديان الاخرى في غاية الاحترام و التقدير و لنا في جار الرسول اليهودي خير دليل و مثال ... كذلك علاقته صلى الله عليه و سلم بمخالفيه أو معارضيه و على رأسهم عبدالله بن سلول ، حيث كانوا يحرضون على اخراج النبي صلى الله عليه و سلم من المدينه كما جاء في كتاب الله على لسان المنافقين (يقولون لئن رجعنا لنخرجن الأعز منها الأذل) و لم تكن ردة فعل النبي صلى الله عليه و سلم بالحجر عليهم أو طردهم أو محاكمتهم أو قتلهم أو غير ذلك من التصرفات الوحشية و القمعية التي يقوم بها جباروا الازمنة و الامكنة ، إنما رده كان (و إن يقولوا تسمع لقولهم) فوضع أساس للتعامل مع المخالف و المعارض في ظل دولة الاسلام ، و حتى تكون منهاجا للحياة و نبراسا لأمته حتى يرث الله الأرض و من عليها ، و هناك حوادث كثيرة حصلت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم تؤكد احترام ديننا الاسلامي للآخر و تضمن و تكفل حرية فكره و اعتقاده .

إن كفالة الدين الاسلامي لحرية الفكر و الاعتقاد تقودنا إلى مجتمع تتعدد به الافكار و العقائد و المذاهب ، مجتمع يعيش به أناس يحملون أفكارا متضادة ، أناس يحملون عقائد و و مذاهب مختلفة لكنهم أسرة واحدة في الانسانية ، و هذا التنوع هو ما يتماشى مع الفطرة السليمة للبشرية جمعاء ، فالمجتمع آحادي الفكر أو العقيدة أو المذهب دائما مايكون مجتمع سلبي أو مجتمع غير سوي و غير سليم و بالضرورة غير منتج ، ففي صدر الاسلام و عندما كانت الأمة الاسلامية في أوج حضارتها و تقدمها كانت متنوعة الافكار و المذاهب و العقائد ، كوجود المذاهب الفقهية الأربعة و غيرها و وجود المذاهب الفكرية مثل أهل الحديث و أهل الرأي ، حيث وجود تلك المدارس هو نتيجة طبيعية للحرية الموجودة في ذاك الزمان ، و عند الرجوع إلى الآية الكريمة ( و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ..... ) نجد أن الله سبحانه و تعالى أمر بوجود أمة و ليس فرد ، و أن الخطاب كان بالجمع و ليس بالمفرد و هو ما يحتم وجود أكثر من تجمع أو حزب إن صح التعبير يقوم بالعملية الاصلاحية ، و حسب استنتاجنا هذا فإن وجود أكثر من حزب يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكرإذا لا بد أن يكون هنالك أكثر من فكر يسود المجتمع الواحد .... ما أرنو الوصول له أن التعدد في الآراء هو السمة الصحيحة في المجتمع ، و هذا ما كان يدعوا له قرآننا الكريم .

تبقى نقطة أخيرة و كثيرا ما تؤرقني ألا وهي المنع أو القمع أو الحجر ... إلخ ، و هي الوسائل التي تتخذها السلطة في سبيل عدم وصول الافكار إلى المجتمع ، و هي للأسف الشديد ليست وليدة عصرنا هذا .. انما موجودة منذ القروون الاسلامية الاولى و حتى يومنا هذا ، و لا يوجد أي أصل لها في الدين و الشريعة الاسلامية ، ولكن هي مصالح السلطة غلفت بعباءة دينية و الهدف منها الحفاظ على المنصب !! كما كان يحدث في محنة الامام أحمد مع الخليفة المأمون ، حيث أمره بالقول بخلق القرآن ، و خلق القرآن هي فكرة خرجت في عصر الخليفة المأمون على يدي المعتزلة ، و حتى يحافظ الخليفة على عرشه كان لابد أن يرغم كل المجتمع على هذه الفكرة !!!
لو كان للمنع أصل في الدين لمنع الرسول صلى الله عليه و سلم دخول ابن سلول إلى المدينة ، فهو عبارة عن شخص يحمل أفكارا تريد هدم الدعوة الاسلامية ، و تريد الاطاحة بحكم النبي الكريم .. لكن ديننا الاسلامي الحنيف و الحكمة النبوية ترى أن الحق لا يمكن أن يضيع ، مهما كثرت الافكار و كثر مؤيدوها فإن الحق لا بد أن يظهر و يبان .. يقول تعالى ( و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ، لذلك الأصل في التعامل مع الأفكار في مجتمع ما تكون على أساس ثقافة الحجة و ليس ثقافة المنع ، لذلك النبي صلى الله عليه و سلم لم يمنع ابن سلول و لم يأمر بتوحيد رأي معين ، و لكن جعل الحق يظهر باقامة الحجج .... أو كما يقال الحق أبلج و الباطل لجلج .
لا الدين و لا المنطق السليم و لا العلم الحديث يأمر بالمنع و القمع و الحجر سوى تاريخنا المفترى عليه هو من قال بالمنع ، و لنعلم جيدا أن المنع لا يولد إلا الانفجار .. و الحرية لا تولد إلا الابداع :)

الخميس، 29 أكتوبر 2009

كبر عقلك يا هايف

ظهر أمس حكم المحكمة الدستورية بعدم الزام النائبات بارتداء الحجاب داخل المجلس ، و بعد صدور هذا الحكم كالعادة يعتبر بعض صغار العقول من بنو علمان أنه انتصار لهم ، و هزيمة نكراء للتيار الاسلامي عموما ، مع اضفاء بعض البهرجة على هذا الحدث ، و عمل تجمع للمباركة بصدور الحكم في سرداب بيت في النزهة يتجمع فيه 13 شاب و فتاة مع وجود زخم اعلامي كبير :)
منذ تقديم النائب محمد هايف سؤاله لهيئة الفتوى بوزارة الأوقاف و أنا ألطم على وجهي و أبكي حسرة على هذا الحال ، يخالجني الأسى لمستوى الطرح في البرلمان الكويتي ، طبعا النائب هايف لم يكن مخطئا عندما أقدم على هذه الخطوة ، فسؤاله منطقيا صحيح مائة بالمائة ، و قانونيا أيضا صحيح ألف بالمائة ، ولكن كان الأجدر بالنائب هايف التريث في تصفية حساباته مع خصومه ، و تأجيل التذاكي هذا إلى ما بعد تخطي النائبات التي تلحق بالمجلس الواحدة تلو الأخرى ، و أن يكون همه المليون مواطن الذين يعيشون على هذه الأرض ليس فقط مواطنتين ...

ما أريد الوصول له أن ارتداء المرأة الحجاب هو واجب شرعي رضينا أم أبينا ، و الدعوة إلى الالتزام به بالحسنى هي لا شك من الفضائل ، فأنا لا أرفض تحجب بعض المواطنات أو حتى مواطنتين ، انما الوضع في الدائرة السياسية يحتاج إلى تكاتف و تعاون أكثر من التفرق ، و يحتاج إلى توحيد الصف الاسلامي أكثر من تشتيته و تعويمه .... يا سيد هايف دع عنك الولوج في قضايا خسرانة من البداية ، و اجتهد في أمور تنفع البلد و المواطن .... يا سيد هايف أنت بتصاريحك و أسئلتك هذه لا تمثل نفسك .. انما تمثل (للأسف الشديد) التيار الأسلامي بمختلف مجاميعه .... يا سيد هايف كف عن الخوض في توافه الأمور و كبر عقلك شوي !!!

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

مجموعة ال 3 / 5 / 2 هي الأفضل :)

كلنا سمع عن تشكل مجموعة جديدة ذات صبغة سياسية ، و ذهبت للأمير و عرضت عليه أفكارا تتبناها و تدفع بالأخذ بها ، و أسموا أنفسهم مجموعة ال 26 حتى يتسنى لهم التميز عن غيرهم ، و يشار اليهم بالبنان كتجمع سياسي اقتصادي جديد على الساحة الكويتية ، و قد يذهب بهم التفكير إلى أن يتم استشارتهم من قبل رئيس الوزراء عند تشكيله وزارته السابعة بعد المائة ، و قد يذهبون إلى أبعد من ذلك و هو ترشيح شخصيتين أو ثلاث من مجموعتهم ليكونوا ضمن الفريق الحكومي اياه :)
في المعسكر الآخر لا زال هنالك سياسيين و تجمعات و جمعيات تنادي بالتمسك بالدستور مثل (جمعية الشعر الشعبي) و غيرها التي اقامت مجموعة اسمتها 11/11 ، و هي أيضا مجموعة أنشئت حديثا و تسمت بهذا الأسم تيمنا بيوم اعلان الدستور الكويتي 11/11/1962 ...
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=40962&cid=30

ما أريد التحدث عنه أنه لا شك في أن نشوء مثل تلك المجموعات بمختلف مسمياتها و أهدافها و أفكارها يصب في صالح التجربة الديمقراطية الكويتية ، بل يزيد من رصيدها العالمي و سمعتها ، و فوق ذلك فإنه يعمل نوع من الحراك السياسي و الاجتماعي في المجتمع ، و قد يكون بديلا عن الاحزاب و التكتلات القديمة الميتة ، و من ثم يدب النشاط السياسي من جديد في البلد ، و يتم عمل موازنة جديدة للقوى في الساحة ، صدقوني ... أنا شخصيا أدفع و أنادي بانشاء مثل تلك المجموعات ، و جعلها مجموعات تمثل كافة الشرائح ... مجاميع سياسية اقتصادية نسائية شبابية طلابية رياضية فكرية اعلامية ... إلخ ، تلك المجموعات ستعمل نوع من الخلخلة للجمود الحاصل في جميع أركان المجتمع .

ولكن تخوفي من الموضوع أن يكون هنالك لعبة خبيثة من قبل عراب في مكان ما ، يدفع بهذه المجموعة (ال 26 ) لتكون نواة لمجلس أعيان أو استشاري أو شورى سمها ماشئت ، أو تكون لعبة خبيثة أخرى من قبل عراب آخر يقبع في مكان ما أيضا ، يخلط الأوراق و يزيد من حدة التأزيم و الصراع ومن ثم الحل الغير دستوري ، و قد يكون هناك أكثر من سيناريو لا يصب في الصالح العام ...

أرجع إلى مجموعة ال 26 فأنا أؤيد كل ما طرحت من مواضيع ، و أبارك تلك المبادرة الشجاعة و الغيرة الوقادة على كويتنا الغالية ، مع العلم أن تلك المجموعة لا تمثل إلا نفسها ، وبهذه المبادرة هي لم تلغي دور ممثلي الأمة (مجلس الأمة) ، يبقى المجلس هو من يمثلنا و هو فقط الذي لديه الصلاحية في التشريع الرقابة ، ويبقى لكافة الشعب الصلاحية في التعبير عن الرأي بكافة الوسائل المتاحة ، و أدعوا كل مواطن لديه هم و لديه فكرة تخدم هذا البلد على انتهاج نهج ال 26 ، وتشكيل مجاميع تحييى البلد من جديد حتى لو كان اسمها المركزالكويتي لحقوق الجاليات أو التحالف الكويتي لدعم المحكمة الجنائية الدولية :)

ومن هذا المنطلق أدعوا الشباب الكويتي إلى الانضمام إلى مجموعة 3/5/2 ، وهي مجموعة تؤيد المدرسة اليوغسلافية في لعبة كرة القدم :)
تحياتي

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

الأمين العام ... أمين و لكن !!

انتهت الانتخابات البرلمانية في الكويت و ظهرت النتائج التفصيلية للمرشحين ، و كان هنالك مكاسب حكومية ليبرالية و وجود انحسار صغير عدديا و كبير معنويا للاسلاميين ، و كانت الحركة الدستورية هي الخاسر الاكبر حيث تقلص عدد ممثليها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من 6 نواب إلى نائب واحد !!!

في العسكر الحدسي يوجد استياء واضح بين قواعد و قيادات الحركة ، و كان واضحا وجليا من خلال مقالات كتابها (أي الحركة) في الصحف المختلفة في الكويت و من خلال المدونات أيضا ، ثم قيام المكتب السياسي بالاستقالة الجماعية ، ثم الصاعقة او القشة التي أقصمت ظهر البعير بدخول البصيري للحكومة (مع رفض الحركة المشاركة بالحكومة) ...

ما أريد الوصول له من خلال تلك الكلمات هو توقعي و توقع الكثير من المتابعين للساحة السياسية بأن يكون هنالك ردة فعل طبيعية بعد الاخفاق في دورتين للانتخابات كحدوث ثورة داخل الحركة مثلا أو حتى انقلاب سلمي :) ، والزج بأسماء جديدة في العمل السياسي بعد التشويه الذي لازم الكثير من قيادات الحركة (سواء كان هذا التشويه موجود بالفعل أو غير موجود) ، و كان الأمل يحدو بنا إلى رؤية أقوى حركة سياسية في الكويت تقوم بتوجيه الشارع الكويتي ، و تتزعم المعارضة الكويتية ، و تقود مجلس الأمة إلى بر الأمان .... و لكن كان خبر انتخاب الدكتور ناصر الصانع أمينا عاما للحركة الدستورية هو المفاجأة :)

الدكتور ناصر الصانع له باع طويل في السياسة ، و يعتبر من أفضل ما أنجبه البرلمان الكويتي ، و من أفضل القيادات التي خرجت من عباءة الحركة ، و في ذات الوقت كان العقل المفكر و المدبر للحركة و للكتلة الاسلامية داخل المجلس ، و كلنا يعلم أنه كان يترأس المنظمة العربية للبرلمانيين ضد الفساد و حاليا يترأس المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد ... اذا هو شخصية فذة و ذكية و قيادية ، و لا ننكر أنه يتمتع بالكثير من الخلال التي تؤهله لتزعم البيت الحدسي .... ولكن ؟!!!

هنا مربط الفرس ... أنا لا أشكك في قدرات الدكتور ناصر ، و لا في ذمته المالية (طبعا الذمة المالية للدكتور الصانع بيضاء ناصعة البياض مثل دشداشة محمد الصقر) ولكن الكم الهائل من الاشاعات و تشويه الصورة الذي تعرض له ، و كل التهم التي اتهم بها زورا ، و الزخم الاعلامي الكبير الذي صور الدكتور بأبشع الصور ، و أضف على ذلك الهبوط الذي صاحب أداء الدكتور في المجلسين الاخيرين ، كل ذلك أتوقع أنه يكفي لعدم تأمينه على الحركة .

داخل الجسم الحدسي توجد معضلة كبيرة و مشكلة عويصة قد تؤدي إلى حدوث انشقاقات و (انسحابات) ، و هذه المعضلة تتمثل بالسيطرة التامة على القرارات الاستراتيجية و التنفيذية من قبل الجيل القديم ، او الجيل الدعوي التربوي الذي نشأ و عمل في الدعوة و التربية و علاقته بالسياسة تكاد تكون معدومة ، و السبب في ذلك يعود إلى الأيام الأولى للصحوة الاسلامية في الكويت ، حيث لم يكن يهتم هذا الجيل بالسياسة و لم يمارسها أصلا ، و كان دخولهم عبر الأجيال التي تلتهم و كان هذا في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، إذا ما أريد الوصول له أن تعيين الدكتور أو حتى انتخابه (الصوري) كان من خلال تلك المجموعة الذهبية المباركة ، و في توقعي الشخصي أن تقدم و تطور الحركة مرهون بعلاقة الحركة بتلك المجموعة ، أنا لا أدعوا إلى التخلي عن تلك المجموعة و ركنها على الطاولة ، انما اهتمامهم بالأمور الدعوية و التربوية هو خير للدعوة و لهم و ترك السياسة للساسة هو الأفضل ... تحياتي :)